معركة الكرامة
بقلم اللواء (م) نزار عمار
الظروف التي سبقت المعركة
أولا – لقد أدت هزيمة 1967 ، إلي حالة من اليأس وفقدان الثقة والإحباط والانكسار في الأوساط السياسية والعسكرية العربية ، لكنها كانت باعثاً للحركة الفلسطينية المقاتلة ، لإثبات نظريتها ودورها وقدرتها فرفضت روح الهزيمة ، وانطلقت بمجموعات فدائية من داخل الأرض المحتلة في الضفة والقطاع ، وأخري تعبر نهر الأردن الي غربه ، لتخوض معارك ضد مواقع وأهداف الجيش الإسرائيلي ، فقامت بنسف الجسور والعبارات ، وقطع خطوط المواصلات ، واشتبكت في معارك ضارية مع قوات الجيش الإسرائيلي .
ثانياً - في بداية عام 1968 ، واجهت حركة فتح اثر عمليات مجموعاتها في الداخل ، حملة اعتقالات عنيفة ، قامت بها القوات الإسرائيلية في الضفة والقطاع ، للانقضاض على خلاياها التنظيمية العسكرية ، وحتى منتصف مارس (أدار ) 1968 ، فقدت حركة فتح ، مائتين ونيف من أعضاء خلاياها ، وتمزقت أوصال ما تبقي من شبكاتها السرية ، بينما تحركت مجموعاتها القتالية منطلقة من نهر الأردن ، لتخوض معارك استشهادية مع قطاعات ودوريات الجيش الإسرائيلي ، وشهد منتصف شهر مارس ( آذار ) اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية والجيش الأردني ، أدت إلي سقوط عشرين جنديا أردنيا ومدنيا وجرح ثمانية وخمسين آخرين ، وردت قوات العاصفة – فتح بشن اثنين واربعين هجوماً على أهداف إسرائيلية .
ثالثاً - الحكومة الإسرائيلية ، قررت أمام ازدياد وتصاعد هجمات مجموعات الفدائيين ، قررت القيام بعملية عسكرية واسعة تهدف إلي تدمير البنية الأساسية للقواعد العسكرية لحركة فتح ، وقوات التحرير الشعبية والمنظمات المسلحة الأخرى ، والقضاء على نواة الثورة الفلسطينية المسلحة ، إضافة إلى تحقيق اجتياح واسع للأراضي الأردنية يصل إلي السلط بهدف إخضاع القيادة السياسية في الأردن لشروط الاستسلام وهذا يشير إلى حجم العملية العسكرية الإسرائيلية وأبعادها الإستراتيجية . فقد حشدت إسرائيل قوة مهاجمة مكونة من لوائي مدرعات ومشاة ، وثلاث كتائب مظليين ، ودبابات ،وسلاح الهندسة ، وقد شمل ذلك اللواء المدرع السابع الذي استدعي من بئر السبع للقيام بالهجوم الرئيسي ، باعتبار انه أقدر ألوية الدروع الإسرائيلية وأقدمها خبرة . كما حشدت هيئة الأركان أسراب من الطائرات المروحية والقاذفات .
رابعا - تمكنت حركة فتح من حشد مائتي وعشرين عنصراً في الكرامة ومحيطها، بينما حشدت قوات التحرير الشعبية ، التي قررت البقاء في الكرامة نحو ثمانين رجلاً كان ضمنهم بضع عشرات من جنود الكتيبة 421 . كان نوعية تسليح مقاتلي فتح ، أسلحة رشاشة ، وألغام مضادة للدروع ، وسبع قواذف صواريخ مضادة للدبابات ( B2 ) ومدفع هاون عيار 82 ملم ، ورشاش ثقيل عيار 12.7ملم ( دوشكه ) وضع على تله تشرف على الكرامة ، بينما انتشرت فرقة المشاة الأولي للجيش العربي الأردني وكتائب الدبابات والمدفعية والهندسة التابعة لها بقيادة اللواء مشهور حديثة ومساعدة سعد صايل قائد كتيبة الهندسة . والتي تموضعت على التلال المطلة على نهر الأردن .
خامساً - قبل بدء المعركة بثماني وأربعين ساعة ، طلب رئيس الأركان الأردني عامر خماش وقائد الجيش العراقي في الأردن حسن النقيب ، الالتقاء مع القيادة الفلسطينية ، وانتدب ياسر عرفات ( أبو عمار ) وصلاح خلف ( أبو اياد ) للقائهما . في اللقاء تم إبلاغهما بالاستعدادات الإسرائيلية للهجوم على طول الجبهة ، ونوايا القوات الإسرائيلية اقتحام الكرامة " لسحق " المقاومة الفلسطينية وطلبا منهما ، من موقع التخوف من " سحقهم " والاستعداد الخروج من الكرامة لتامين وتغطية خروجهم إلي جبال السلط . لكن أبا عمار وصحبه ابلغا رئيس الأركان الأردني ، قرار قيادة فتح وهم :الثبات والقتال وعدم الخروج من الكرامة ، بل وكان رد القائد أبو عمار " إننا نريد أن نقنع العالم أن هناك في الأمة العربية من لا ينسحب ويهرب ، ولنمت تحت جنازير الدبابات ونغير اتجاه التاريخ في المنطقة ، لقد قررنا أن نثبت ولو أدي ذلك إلي استشهادنا "
سادساً - كان أبو صبري ( ممدوح صيدم ) عضو القيادة العسكرية للعاصفة وقائد الساحة الأردنية ، علي اتصال وتنسيق مع اللواء مشهور حديثة وسعد صايل ، يقول أبو عمار " كان لدينا بصيص أمل في إمكانية دعم الجيش لنا ، لم نكن على يقين أنهم سيقاتلون معنا . وأدركنا منذ البداية أن صمودنا على ارض المعركة هو الذي سيغير مجري التاريخ .،،
سابعاً - اتخذت قيادة فتح قرارها بالبقاء مع مقاتليها في الكرامة ، في بؤرة الخطر ، كان مقاتلوها من خيرة الشباب الجامعي المتفاني ، الملتزم بقضية وطنه وقيادته التي وقفت أمامه وليست خلفه . وحيث جري في الكرامة اجتماعً عسكري للقيادة المركزية لحركة فتح ، وقيادة قوات التحرير الشعبية ، والجبهة الشعبية ، واتخذ القائد العسكري للجبهة الشعبية احمد زعرور والقائد الميداني احمد جبريل القرار بالانسحاب شرقاً إلي التلال خارج مدينة الكرامة ، تطبيقاً لمبدأ أن الحفاظ على الذات هو أعقل خيار في وجه عدو يتمتع بالتفوق الساحق . بينما اتخذت فتح قرار الثبات في الكرامة مهما بلغت التضحيات ، ويصف ياسر عرفات هذا الشهد بقوله " وحين تجمعت إشارات هجوم إسرائيلي على قواعدنا في الكرامة ، أخدنا قراراً تاريخياً ، لا علاقة له بالنظريات العسكرية التقليدية المعقدة في حروب العصابات ، وخاصة في مراحلها الأولي ، حين أبصرنا بعين المستقبل النافذة أن الصمود ، وتقديم أرواح الشباب المتحمس لتحرير وطنه ، والقادم من كل جامعات العالم ، سيفتح عصراً ذهبيا جديداً للثورة الفلسطينية "
ظروف المعركة
1- بدأت المعركة فجر يوم الخميس 21 مارس " آذار " 1968 ، حيث بدا الهجوم الإسرائيلي بقصف مدفعي كثيف على مواقع القوة الفلسطينية ، ومواقع الجيش الأردني ، من جسر دامية وحتى جسر سويمه الممتدة على نهر الأردن . وتقدمت أرتال الدبابات الإسرائيلية وعبرت النهر باتجاه الأراضي الأردنية تحت غطاء وابل من قذائف المدفعية والدبابات والقصف الجوي ، على عدة محاور من الجنوب والوسط والشمال ، بهدف محاصرة الكرامة التي تعرضت لقصف كثيف ومتواصل من المدفعية الإسرائيلية المساندة المتمركزة غرب النهر ، بينما حلقت الطائرات العمودية فوق الكرامة مباشرة في عملية تمشيط مركزة بالرشاشات . وكان أساس الخطة الفلسطينية . التستر والاختفاء والانتشار لحين امتصاص الضربة العسكرية الإسرائيلية الأولي ، بانتظار تقدم ارتال الدبابات ، وتمكنت المدفعية الأردنية التي تعاملت مع التقدم الإسرائيلي منذ اللحظة الأولي في صد بدايات الهجوم ، ودفعت إسرائيل بأسراب طائراتها القاذفة وركزت القصف المدفعي ، على مواقع المدفعية الأردنية ، وعند الساعة العاشرة صباحا ، وبعد مرور أكثر من أربع ساعات على بدء الهجوم وصلت الدبابات الإسرائيلية إلي مشارف بلدة الكرامة ، وقامت بإنزال قوات المظليين بواسطة الطائرات العمودية خلف البلدة ، وقامت مجموعات الفدائيين باصطياد الدبابات الإسرائيلية علي مشارف الكرامة والشونة ، وبسبب ضعف إمكانياتها اندفعت إلي داخل بلدة الكرامة ، التي وصلتها الدبابات الإسرائيلية بدعم كثيف من طائرات الهليكوبتر ، حيث دارت معركة ضارية وجها لوجه بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المدرعة الإسرائيلية ، في أزقة الكرامة ومن خلال ركام بيوتها المهدمة ، من شارع إلي شارع ، حيث لم يبقه معالم لأي شارع بفعل الدمار ، واستخدم المقاتلون الفلسطينيون الأحزمة الناسفة واندفعوا بها بأجسادهم لنسف الدبابات الإسرائيلية بينما اندفع آخرون بالسلاح الأبيض والقنابل اليدوية نحو مشاة القوة الإسرائيلية . كان نداء " الله اكبر " نداء يدوي في الكرامة ، كان هو نداء القوة والعزيمة التي شحنت النفوس وهو نفس نداء الجنود المصريين عند عبور القناة لدحر العدو في العام 1973، وكلما ارتفع نداء " الله اكبر" كان الانتصار . وللمرة الأولي في تاريخ الحروب مع إسرائيل ، رفض الطلب الإسرائيلي بوقف إطلاق النار قبل انسحاب القوات الإسرائيلية تماماً من الأراضي الأردنية إلي غرب النهر ، مندحره بعدما فشلت في تحقيق أهدافها .
2- دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً لهذا الهجوم ، الذي خططت له بكل دقه ووضعت له أبعاد إستراتيجية ودفعت إليه أفضل قطاعاتها العسكرية ، واستخدمت أسلحتها الجوية والبرية ، لقد سقط لها ثمانية وعشرون قتيلاً وتسعون جريحاً ، وتم تدمير أربع دبابات وخمس عربات مدرعة ، وطائرة حربية بحسب اعترافها . وبلغت خسائر الجيش الأردني 61 شهيدا و108 جريحا ، وتدمير 13 دبابة وإعطاب 20 أخري وتعطيل 39 عربة أخري .
أما علي صعيد خسائر المقاومة الفلسطينية ، فلقد تحملت الخسائر الأكبر نسبياً ، إذ فقدت فتح اثنين وتسعين شهيداً من خيرة كوادرها ، وفقدت قوات التحرير الشعبية أربعاً وعشرون مقاتلاً ، وجرح في المعركة مائة فدائي ، إضافة إلي 40 عنصراً وقعوا في الأسر . وكانت خسائر فتح تعادل نصف عدد المقاتلين المتفرغين تقريباً في تلك الآونة . إضافة إلي فقدان الجزء الأكبر من التسليح المتواضع التي كانت تملكه
المتغيرات الأساسية التي أحدثتها معركة الكرامة
أولاً: تبدل استراتيجي في الموقف المصري
اثر الانتصار والصمود في معركة الكرامة ، تبدلت نظرة بعض الأنظمة العربية نحو المقاومة الفلسطينية وحركة فتح قائدة الانطلاقة ، وتحولت علاقة مصر مع حركة فتح إلي تحالف استراتيجي ، وأصبحت إستراتيجية الزعيم جمال عبد الناصر قائمة علي " ملء الفراغ الزمني إلي حين إعادة بناء قواتنا بواسطة عنصرين : حرب الاستنزاف ونشاط فتح " ، فقد اثبت قرار "فتح" بالصمود والقتال في الكرامة للرئيس عبد الناصر إنها حركة جديرة بالثقة والدعم ، وكان من نتائج تلك العلاقة الوطيدة ، أن أرسل جمال عبد الناصر شحنة من السلاح تعويضا عن خسائر فتح العسكرية التي فقدتها في الكرامة ، بل اصدر توجيهاته إلي الأجهزة العسكرية والأمنية المصرية لتقديم كافة الإمكانيات والتسهيلات ، فبدأت الدورات التدريبية المتخصصة لكوادر فتح في المجال الأمني والعسكري والتي كانت نواة لتأسيس أجهزتها الحركية ، كما قدمت مصر لحركة فتح موجه خاصة لإذاعتها لتبت يومياً النداءات لمجموعاتها السرية في الأرض المحتلة وتعلي ويرتفع صوتها صوت العاصفة في كافة أرجاء العالم العربي .
ثانياً : دعماً مالياً بارزاً من المملكة العربية السعودية
اثر معركة الشهادة والثبات في الكرامة ، التي شاركت فيها حركة فتح ، قيادةً ومقاتلين ، قام المغفور له الملك فصل بدعوة الأخوة أبي جهاد وأبي إياد إلي لقاء معه في المملكة ، وتعهد لهما بدعمٍ ماليٍ على قدر كبير من الأهمية . لقد ساهم هذا الدعم المعنوي والمالي ، في تنمية قدرات فتح " على استيعاب التدفق الهائل من شباب فلسطين ، وكادرات فتح التنظيمية للتفرغ في العمل العسكري وكافة مؤسسات الحركة والثورة . كما ساهم مع غيره من الدعم المالي والعيني من جهات عربية أخرى ، في بناء قواعد وقطاعات فتح العسكرية ومؤسساتها في مختلف النواحي .
ثالثاً : تعزيز التواجد العسكري والسياسي والتنظيمي على الساحة الأردنية ،
حيث كان من نتائج معركة الكرامة ، تبدل في العلاقة مع الأردن ، فرفع الجيش الأردني حصاره عن الكرامة وقواعد الفدائيين ، وحدث تعاطف وتبدل في الموقف الرسمي الأردني في تلك الآونة ، والذي كانت تنتابه الهواجس والتخوفات والشكوك ، وأعلن العاهل الأردني في خطابه إلي الشعب نداءه كلنا فدائيون وأقامت فتح قواعدها الارتكازية على امتداد الجبهة الأردنية ، وشيدت قطاعاتها العسكرية ، وأنشأت مكاتب ومؤسسات لها في العاصمة وامتد تنظيمها إلي كافة مخيمات اللاجئين في الأردن ، وغدا " مخيم الوحدات " القلعة الراسخة لحركة فتح الرائدة . وتضاعف عدد المتفرغين في فتح حتى وصل إلي 2000 متفرغ إضافة إلي 12 ألف من أبناء التنظيم في المدن والمخيمات ، ولم يقتصر انبعاث فتح على الساحة الأردنية فقط بل امتد إلي الساحة اللبنانية ، بل وكافة ساحات الشتات الفلسطيني ، حيث اندفع العديد من القيادات والكوادر الفلسطينية والعربية تاركه أحزابها السياسية لتلتحق بالمقاومة المسلحة الفلسطينية ، فقد قدمت الكرامة " المصداقية والجدية وروح الفداء والعطاء بل الأمل بالتحرير وعودة الحقوق والوطن المسلوب .
المعني الاستراتيجي لمعركة الكرامة
أولاً : شكلت " معركة الكرامة " الخالدة ، حافزاً رئيسياً لحرب الاستنزاف التي قادها الجيش المصري ضد القوات الإسرائيلية ، حرب الاستنزاف التي أعطت التجربة والوقت لإعداد القوات المسلحة المصرية لحرب أكتوبر عام 1973 ، ذلك باعتراف كبار القادة العسكريين ، إن نموذج وتجربة الكرامة كسر حاجز الوهم بأسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وأكدت للمقاتل العربي في الجيوش العربية ، انه إذا توفرت روح الفداء ، والقيادة المتقدمة علي جنودها في المعركة والإيمان ، فأن النصر محقق بمشيئة الله .
ثانياً : إن الرؤية المستقبلية الثابتة ، والإيمان بحتمية الانتصار ، والاعتماد على روح التضحية والفداء لدي المقاتلين ، وقرار القيادة بالمواجهة والثبات والتضحية ، كلها مجتمعه قادرة على إحداث المتغيرات الإستراتيجية ، والتحولات التاريخية وقلب موازين القوي والمعادلات العسكرية .
ثالثاً : لقد شكلت معركة الكرامة ، أساساًً لتحولات استراتيجيه في المنطقة الشرق أوسطية والتي بدأت تتنامي وتتراكم منذ انتصار الكرامة وانصبت في اعتبار القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، نقطة الارتكاز المركزية ، ومحور كل تحرك سياسي وعسكري لحل القضايا المعقدة والملتهبة في الشرق الأوسط ، وامتدت أثارها ، رغم مرور عقود من الزمن ولا زالت حتى الآن .
رابعاً : لقد شكلت معركة الكرامة ، بأبعادها السياسية والعسكرية والتنظيمية وتفاعلاتها ودلالاتها ، نقطة تحول في مسيرة المقاومة الفلسطينية ، ونموذجاً لكافة حركات التحرر في العالم ، فلقد غيرت الكثير من مبادئ وقواعد أسس إدارة الصراع بين القوي العسكرية النظامية المتمثلة بالجيش الإسرائيلي وبين قوات ومجموعات المقاومة . لقد عززت الكرامة دور ارتفاع الروح المعنوية ، ودور الإيمان والإرادة والثبات وعدم الانسحاب والمواجهة ، التي يجب ان تتسلح بها القيادة والمقاتلون . لقد استبدلت معركة الكرامة روح الإحباط والانكسار واليأس الناجمة عن الهزيمة والتي تسببت بها النكسة العسكرية ، وتبدلت إلي روح الانطلاق والأمل والانبعاث والفخر ، وكسرت حاجز الوهم الذي تلبس المعقدين بأسطورة الجيش الذي لا يقهر .
قضايا التشكيك التي أثيرت بعد الكرامة
أدي الانتصار الكبير في الكرامة ، إلي ظهور حملات التشيكك الصادره من بعض الفئات التي هالها أن تري حجم المد الجماهيري التي حظيت به فتح والمقاومة الفلسطينية ، وانحصرت حملة التشكيك والتي استمر ترديدها حتى اليوم ، حيث تطرح في ذكري معركة الكرامة السنوية ، وفي الفضائيات التي يدعي إليها شخصيات عربيه وفلسطينية ، أمنيه وعسكريه ، وتنحصر روايات التشكيك في مسألتين :
أولا ً: حول دور الجيش الأردني من جانبٍ ، ومقاتلي فتح من جانبٍ آخر ، والادعاء بأن معركة الكرامة ، قاتل فيها الجيش الأردني بمفرده بينما انسحبت قوة الفدائيين التي لم يكن لها دور في المعركة وان فتح " سرقت " الانتصار من الجيش الأردني.
وأفضل رد على هذه المزاعم وحملات التشكيك ما جاء في شهادة الفريق مشهور حديثه ، قائد الأركان الأردني ، وقائد اللواء الذي شهد وشارك في معركة الكرامة والذي يقول في شهادته :
" أبو عمار فضل التمركز في الكرامة ، في بؤرة الخطر ، خلافاً لما تم التنسيق عليه ، وكان ذلك حباً منه للتصادم مع اليهود ، والقتال وجهاً لوجه ، وهذا ما حدث حيث صمد في قلب الكرامة ، وكان مع أبي عمار كل المجموعة القيادية بما فيهم أبو إياد وأبو صبري ، أولئك الرجال كانوا في المقدمة ، في الأمام يقاتلون مع جنودهم مع عناصرهم ، وهذه للتاريخ ، ليذكر أنهم كانوا جنودا للتضحية والفداء " ويضيف الفريق مشهور حديثه :
" والحقيقة التي يجب أن تقال أن الفدائيين وحركة فتح الفدائية قامت بأعمال جريئة ومتقدمه رغم ظروفهم الصعبة وهي أعمال تستحق التقدير ، وقد أدت إلي النتائج العظيمة التي أحرزتها معركة الكرامة ." ويضيف أن " الفدائيين اشتبكوا بالسلاح الأبيض ، وجها لوجه مع الجنود الإسرائيليين داخل بلدة الكرامة ، حملة اربي جي قاموا بواجب عظيم ، بكفاءة عالية وشكلوا مصيدة للدبابات الإسرائيلية ." ويضيف الفريق مشهور حديثه " لقد قام – الجيش والفدائيون – بدوران متكاملان معاً . واهم ما تحقق هو وحدة الدم والهدف بين الجندي الأردني وأخيه المقاتل الفلسطيني حيث قاتلا صفاً واحدا وبتنسيق على اعلي المستويات "
ثانياً : التشكيك حول قيادة فتح ، من منهم بقي في الكرامة وشهد المعركة ، ومن منهم انسحب أو غادر البلدة ولم يشارك في المعركة ، وللحقيقة أن أبا عمار طلب في الاجتماع القيادي الذي سبق بدء الهجوم ، ألا تتمركز القيادة بكامل أعضائها في بلدة الكرامة وان تنقسم الي فريقين احدهما تبقي داخل بلدة الكرامه والأخرى تتواجد على مشارف الكرامة ، كي لا تستشهد القيادة بكاملها ، وإدراكا منه ان المعركة غير متكافئة وان التضحيات ستكون بالغة ، ومع بدء المعركة تعرضت المنطقة بكاملها ، البلدة ومحيطها والأغوار والمشارف إلي القصف الجوي والمدفعي . لقد شارك في معركة الكرامة وتواجد في محيطها ، الزعيم أبو عمار وأبو جهاد وأبو صبري وأبو علي إياد من القيادة العسكرية ، اضافه إلي أبي إياد وأبي اللطف وأبي حلمي الصباريني وزكريا عبد الرحيم وكوادر أبطال من أمثال صلاح التعمري وأبو علي مسعود وصائب العاجز وموسي عرفات وغيرهم ، ومن الشهداء عبد المطلب الدنبك ( الفسوري ) وربحي الاسطي ( أبي شريف ) وعلي عياد ، وفتحي تمر ، وبشير داوود ( أبي تمام ) وزهير جابر ، وسلامة محمود البورنو ، وسمير محمد الخطيب ، وأبو إبراهيم معليش ، وعوض العدلي ، ومحمد إبراهيم ، وجميل إبراهيم البلعاوي ، وحامد المرة ، ومحفوظ شميط ، واحمد محمد شاكر ، ومحمد دعاس عبيد ، ومصطفي احمد مصطفي ، وخليل ذيب ، وجميل مصطفي ، وسعيد الأسعد . وعبد الله ابو السعود ، والشهيد خالد والشهيد أبو طير . والسعيد ابو اميه والشهيد عدنان ، وشحده فضيل . ولكل شهيد منهم ملحمه بطوليه بحد ذاتها .
الدروس المستفادة من معركة الكرامة
1- إن امتلاك القيادة للرؤية ألاستراتيجيه البعيدة المدى ، والتي تستشرف المدلولات السياسية للمعركة ، وقدرة القيادة علي اتخاذ القرارات الصعبة والشجاعة والحازمة في الظروف الصعبة واللحظة التاريخية ، هي أهم عوامل الانتصار في المعارك التاريخية ، السياسية والعسكرية .
2- إن التحام القيادة بالمقاتلين ، وقتالها بشجاعة بجانبهم ، في المقدمة دائماً ، هي التي تخلق روح الفداء والتضحية والاستبسال لدي المقاتلين ، وتضع معجزات الانتصار ، وتغيير موازين القوي
3- إن التزام القاعدة بقيادتها وبقراراتها وانضبا طية المقاتلين ، مهما كلفهم ذلك من تضحيات ، هي أحد العوامل الأساسية لتحقيق الانتصار الذي يغير وجه التاريخ
4- أهمية وضرورة العلاقة بين الثورة والمقاومة بالمحيط الجماهيري والالتحام به .
5- أهمية علاقات التنسيق مع القوات النظامية المساندة ، لتحقيق التكامل في الأدوار ، ولتعزيز الكفاح المشترك ووحدة الدم والهدف والمصير .