كامب ديفيد كانت البداية
رغم أن مفاوضات السلام فى المنطقة لم تنطلق إلا بعد حرب أكتوبر إلا أنه كانت هناك محاولات مبكرة من جانب إسرائيل لإقامة سلام منفرد مع مصر فى محاولة لإخراجها من دائرة الصراع وإضعاف الجبهات العربية الأخرى .
ففى كتاب له عن أسرار الصراع العربى الإسرائيلى ، كشف وزير الخارجية الروسي الأسبق يفجينى بريماكموف الذى عمل في القاهرة لسنوات كمراسل لصحيفة "البرافدا" الروسية الشهيرة والذي كان يعرف العديد من الأسرار المرتبطة بكواليس الصراع بحكم متابعته الصحفية وصداقته لعشرات من رجال السياسة والصحافة المؤثرين في مصر والعالم العربي ، أن مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون أعلن فى 1950 عن استعداده للسفر للقاهرة للتفاوض معها من أجل السلام.
إلا أن تلك المبادرة بحسب بريماكوف ظلت بلا جواب حيث لم يكن بوسع أي زعيم عربي مجرد التفكير آنذاك بقبولها أو التفاوض مع إسرائيل بدون التزام منها بحل القضية الفلسطينية .
شرارة المفاوضات
بعد انتهاء حرب أكتوبر ، أعلن الرئيس المصرى الراحل أنور السادات أن تلك الحرب آخر الحروب بين العرب وإسرائيل ورفع شعار المفاوضات لحل الصراع .
ولإثبات جديته فى هذا الأمر ، أعلن السادات في افتتاح دورة مجلس الشعب المصرى في 1977 استعداده للذهاب للقدس بل والكنيست الإسرائيلي، وقال:"ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم" ، وانهالت عاصفة من التصفيق من أعضاء المجلس، ولم يكن هذا الهتاف يعني أنهم يعتقدون أنه يريد الذهاب فعلا إلى القدس.
وفي 20 نوفمبر 1977 ، ألقى السادات بالفعل خطابا أمام الكنيست الإسرائيلي وشدد في هذا الخطاب على أنه يستهدف السلام الشامل بين العرب وإسرائيل . وفي الفترة من 5 إلى 17 سبتمبر 1978 اجتمع السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في المنتجع الرئاسى الأمريكى في كامب ديفيد ووقعوا على وثيقتين، حددوا في الأولى إطار السلام في الشرق الأوسط ودعوا بقية أطراف النزاع للانضمام إليه، أما الثانية فقد وضعت إطارا للسلام بين مصر وإسرائيل ، بالإضافة إلى مباديء مرتبطة بالوثيقتين .
تناولت الوثيقة الأولى الضفة الغربية وقطاع غزة ورأت أن القاعدة المناسبة للتسوية السلمية بين إسرائيل وجيرانها هي قرار مجلس الأمن 242 بكل أجزائه وقرار 338 وأن تعيش كل دولة آمنة في حدودها.
وقررت أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب الفلسطيني في مفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية وأن تتفق مصر وإسرائيل على ترتيبات لانتقال الضفة الغربية وغزة من الحكم العسكري الإسرائيلي إلى حكم ذاتي فلسطيني خلال فترة لا تتجاوز خمس سنوات.وتتفق مصر وإسرائيل والأردن أيضا على وسائل إقامة سلطة الحكم الذاتي وقد يضم للمفاوضات ممثلون عن الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيون آخرون بحسب ما يتفق عليه ، كما نصت الوثيقة على أن تتخذ كل الإجراءات لضمان أمن أسرائيل وجيرانها.
وتحدثت الوثيقة عن تشكيل لجنة من المذكورين آنفا خلال الفترة الانتقالية لتقرر بالاتفاق السماح بعودة الأفراد الذين طردوا من الضفة الغربية وغزة عام 1967، وأن مصر وإسرائيل ستعملان معا ومع الأطراف الأخرى لحل مشكلة اللاجئين.
أما بالنسبة للوثيقة الثانية ، فتتعهد مصر وإسرائيل بتسوية النزاعات بالطرق السلمية طبقا لأحكام المادة 33 لميثاق الأمم المتحدة ، يتفاوض الطرفان بهدف توقيع معاهدة سلام بينهما خلال ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ توقيع هذا الإطار.
وأكدت مصر وإسرائيل في الوثيقة نيتهما التوصل إلى معاهدة سلام بينهما خلال ثلاثة أشهر وأن يتم تنفيذ بنود المعاهدة في فترة بين عامين إلى ثلاثة أعوام من تاريخ توقيع المعاهدة فيما لو لم يتفق الطرفان على شيء آخر.
واتفق الجانبان أيضا على تسوية الحدود وانسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء وأن لمصر استخدام المطارات التي يخلفها الإسرائيليون للأغراض المدنية وعلى حرية مرور السفن في خليج وقناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات دولية مفتوحة.
وحددت الوثيقة عدد الجنود المرابطين من الطرفين على ضفتي الحدود ومواقعهم وعددهم وكذلك حددت مناطق تمركز قوات الأمم المتحدة .واتفق الجانبان أيضا على إقامة علاقة طبيعية واعتراف كامل بين الطرفين إثر الانسحاب المرحلي وتوقيع اتفاقية السلام ، وحددت الوثيقة فترة انسحاب القوات الإسرائيلية بمدة تتراوح بين ثلاثة وتسعة أشهر من توقيع الاتفاق.
أما بالنسبة للمبادئ المرتبطة ، فتعلن مصر وإسرائيل أن المبادئ ينبغي أن تطبق على معاهدات السلام بين إسرائيل وكل جيرانها ، ووفقا لتلك المباديء ، ينبغى على الموقعين أن يقيموا علاقات طبيعية بينهم وأن تشمل الاعتراف الكامل وإلغاء المقاطعة والتعاون الاقتصادي والقضائي.
اتفاقية تاريخية
وفي 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين والرئيس الأمريكي جيمي كارتر بصفته شاهدا على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل .
الاتفاقية كانت عبارة عن 9 مواد رئيسية منها اتفاقات حول جيوش الدولتين والوضع العسكري وعلاقات البلدين وجدولة الانسحاب الإسرائيلي وتبادل السفراء ونصت تلك المواد على إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 وتضمنت الاتفاقية أيضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية فى قناة السويس و اعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية كما تضمنت الاتفاقية البدأ بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 . ورغم انسحاب إسرائيل من سيناء إلا أنها لم تنسحب من طابا إلا فى سنة 1989 بعد إحالة القضية إلى محكمة لاهاي الدولية.
وتعتبر المعاهدة بحسب المراقبين أهم الاتفاقيات في مسار الصراع العربي الإسرائيلي لأنها أول اتفاقية رسمية بين دولة عربية وإسرائيل وأدت إلى تحييد مصر في الصراع .وتباينت ردود الأفعال حول الاتفاقية سواء مصريا أو عربيا ، فعلى الصعيد المصرى ، يرى مؤيدون للمعاهدة أنها أرجعت لمصر سيناء كاملة .وأنهت الحرب بين مصر وإسرائيل وأنقذت مصر من ويلات الحروب و نشرت السلام في المنطقة ، في الوقت الذى لم تقدم فيه مصر تنازلات جوهرية حيث يرى بعض المحللين السياسيين أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤدي على الإطلاق إلى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر وإسرائيل وكانت علاقات البلدين وحتى الآن تتسم بالبرود والفتور حيث لم ينجح السفراء الإسرائيليون في القاهرة ومنذ عام 1979 في اختراق الحاجز النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي الهائل بين مصر و إسرائيل .
وفي المقابل يري معارضون للاتفاقية أنها وضعت شروطا على سيادة مصر على سيناء بعد عودتها إليها ، عبر فرض قيود على مدى تحرك الجيش المصرى وقواته في سيناء فقصرت مثلا استخدام المطارات الجوية التي يخليها الإسرائيليون قرب العريش وشرم الشيخ على الأغراض المدنية فقط.
كما أنها لم تقدم حلولا لمسائل كثيرة مازالت عالقة أبرزها ، قضية مدينة "أم الرشراش" المصرية والتي لاتزال تحت سيطرة إسرائيل ويطلق عليها اسم "إيلات" من قبل الإسرائيليين ورغم أن وزير الخارجية المصرى أعلن مؤخرا أنها ليست مصرية إلا أن مصريين كثيرين يعتقدون أن قريـة أم الرشراش أو إيلات قد تم احتلالها من قبل إسرائيل في 10 مارس 1949 كما تشير بعض الدراسات المصرية إلى أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى في الماضي قرية الحجاج حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها .
وهناك أيضا مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقتل أسرى من الجيش المصرى في حرب أكتوبر وحرب يونيو 1967 بالإضافة إلى قضية الأموال المصرية المنهوبة نتيجة استخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات .
أما على الصعيد العربى، فقد أثارت المعاهدة ردود فعل غاضبة جدا من قبل معظم الدول العربية خاصة وأن الشارع العربي كان في هذا الوقت لايزال تحت تأثير أفكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة فى العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن ولذا عقدت هذه الدول مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر عن المعاهدة كما اتخذت جامعة الدول العربية فيما بعد قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية.
وتوجه اتهامات عربية بين الفينة والأخرى بأن السادات ركز على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية رغم أن الاتفاقية تضمنت بنودا حول القضية بالاضافة إلى أن السادات كان حريصا على مشاركة بقية دول المواجهة في المفاوضات إلا أنها رفضت .
وتستند وجهات النظر تلك إلى أن فرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحا قبل أن توقع مصر اتفاقية السلام : "إذا لم تتمكن من الوصول إلي اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن علي ثقة من أنك لن تحصل لهم علي شيء فيما بعد من الإسرائيليين" .
كما أن البعض يعتبر الاتفاقية انتهاكا لقرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 والذي اتخذ بعد هزيمة يونيو واشتهر باللاءات الثلاث حيث قرر زعماء 8 دول عربية أنه لاسلام مع إسرائيل ولا اعتراف بدولة إسرائيل و لامفاوضات مع إسرائيل.
وبالإضافة إلى ماسبق فإن هناك من يرى أيضا أن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا وضد العرب حيث تراجع التوازن العربي بفقدان العالم العربي لأكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري كما أنها تسببت في فقدان مصر دورها القيادى والمركزي في العالم العربي ما أدى إلى ظهور نزاعات حول الزعامة الإقليمية العربية حيث حاولت القيادات في العراق وسوريا تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة كما سارع العراق للدعوة لعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 رفضت خلالها اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية و منظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض " ، هذا في الوقت الذى عارضت فيه الإمارات الخطوات العربية ضد مصر .
وازداد التشتت في الموقف العربى بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران ضد العراق وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية فى جنوب لبنان ، وانتشر التشتت والتمزق العربى أكثر وأكثر بعد غزو العراق للكويت واحتلال العراق نفسه فيما بعد .