القُدْس مدينة مقدسة عند المسلمين والنصارى واليهود. والاسم الشائع لها بعد الفتح الإسلامي هو: بيت المقدس، يليه في الشيوع اسم القدس الشريف، وهي عند المسلمين المكان الذي عُرِج منه بالرسول ³ إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، كما أنها تضم المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. والقدس أيضًا ثالثة الأماكن المقدسة، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويقدسها النصارى لارتباطها بالسيد المسيح عليه السلام،كما يقدسها اليهود لارتباطها بمُلك داود وسليمان.
تنفرد المدينة بالتزامها ثلاث عطلات أسبوعية؛ فالجمعة عطلة المسلمين والسبت عطلة اليهود والأحد عطلة النصارى.مساحة المدينة 107كم²، وعدد سكانها حوالي 567,100 نسمة (كان عدد اليهود سنة 1947م في القدس 2,400 نسمة وعدد العرب 33,600 نسمة). ارتفاعها 732 م فوق سطح البحر. ومتوسط حرارتها في شهر يناير 13°م، وفي شهر يوليو 24°م. أمّا المتوسط السنوي للأمطار فيها، فيعادل 560ملم.
المواقع المقدسة
تُوجد في المدينة أربعة مواقع مقدسة وهي:
المسجد الأقصى. وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وقد بقي القبلة الأولى للمسلمين حتى السنة الثانية للهجرة عندما تحولت القبلة إلى المسجد الحرام. وقد ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾ الإسراء:1. ويشكل المسجد الأقصى مع قبة الصخرة الحرم القدسي. انظر: المسجد.
قامت إسرائيل بمحاولات كثيرة للنيل من المسجد الأقصى وأهمها: 1- تدمير المنطقة الواقعة أمام مربط البراق (وهو المكان الذي يسميه اليهود: حائط المبكى)، وإجلاء سكان الحي عنه. 2- عمليات حفر في أرض الوقف الإسلامي المحاذية لسور المسجد الأقصى من الجهة الغربية. 3- إحراق المسجد الأقصى بقصد القضاء على مسجد الصخرة المشرَّفة والاستيلاء على الحرم القدسي كله لتشييد ما يسمى بهيكل سليمان. وقد حدث إحراق المسجد في 21 أغسطس 1969م، مما استدعى عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول في الدار البيضاء بالمغرب في السنة نفسها. وعندما دنسه زعيم كتلة الليكود آنذاك آرييل شارون مع ثلاثة آلاف من جنوده في سبتمبر 2000م، اشتعل الشارع الفلسطيني فيما عرف بانتفاضة الأقصى التي قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى، مما استدعى عقد مؤتمر القمة العربي الطارئ في القاهرة في أكتوبر 2000م.قبة الصخرة. إحدى المواقع المقدسة في المدينة. وتُوصف بأنها أجمل مبنى إنشائي في القدس. بُنيت كمَعْلم لتخليد الموقع الذي عرج منه بالرسول ³.كنيسة القيامة. تقع على الجبل الذي يزعم النصارى أن عيسى المسيح عليه السلام، قد تم صلبه عليه، ودفنه فيه.حائط المبكى. وهو المكان نفسه الذي يسمى مربط البراق وهو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف. وهو أثر إسلامي وليس يهوديًا. وقد حققت في الموضوع لجنة دولية سنة 1930م عينتها الحكومة البريطانية المنتدبة على فلسطين، حيث قررت أن هذا المكان وقف إسلامي وليس لليهود حق فيه أو في تغيير معالمه. يقدسه اليهود ويعتبرون أنّه يمثل الجزء الغربي من معبد الهيكل اليهودي، على الرغم من ان ذالك على الرغم من أن ذلك المعبد هدمه الرومانيون عام 70م، وكان قد تعرض للهدم قبل ذلك عدة مرات ولا وجود له في الوقت الحاضر رغم المحاولات التي جرت وتجري في سبيل العثور عليه.
مواقع أخرى
القدس الشرقية. تمثل الجزء الشرقي من مدينة القدس الأصلية. مساحتها ضعف مساحة القدس الغربية، ولكن عدد سكانها أقل من عدد سكان القدس الغربية. تضم داخلها بقايا مدينة القدس القديمة، التي يحيط بها سور طوله أربعة كيلو مترات، وارتفاعه اثنا عشر مترًا. أغلب أجزاء السور بُنيت خلال القرن السادس عشر الميلادي، لكن أجزاء أقدم من ذلك بكثير توجد فيه. وقد احتلت إسرائيل القدس الشرقية التي كانت في ذلك الوقت جزءًا من الضفة الغربية لنهر الأردن. وضمتها إلى الأراضي التي احتلتها عام 1948م. وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بتاريخ 22 مايو 1968م أبطل فيه جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بضم القدس الشرقية. والعرب يعملون بإصرار على استرجاع القدس الشريف عاصمة لفلسطين العربية الإسلامية.
يُوجد داخل الجزء المسوّر من المدينة أربعة أحياء مميزة هي: 1- الحي الإسلامي 2- الحي النصراني 3- الحي اليهودي 4- الحي الأرمني.
لم تتغير الحياة داخل المدينة القديمة منذ مئات السنين. ولقد تعايش داخلها المسلمون والنصارى واليهود في وئام عبر القرون. لا تُوجد في القدس الشرقية صناعات حديثة، ولكن توجد صناعات يدوية.
القدس الغربية. قَدِمَ معظم سكان القدس الغربية بعد قرار الأمم المتحدة، الذي قضى بتقسيم فلسطين. وتنادى اليهود من كل أنحاء العالم لإقامة دولة صهيونية. لكن يوجد من بين سكان القدس الغربية فئة من اليهود المتدينين لايعترفون بقيام دولة إسرائيل، ويؤمنون بأن المسيح وحده هو المخلص المنتظر الذي يستطيع إنشاء مثل تلك الدولة.
وعلى الرغم من إعلانها عاصمة لدولة اليهود، فإن معظم دول العالم ترفض الاعتراف بذلك.
تحتوي القدس الغربية على مبانٍ عصرية وصناعات حديثة، وتُوجد فيها الجامعة العبرية. وهناك بعض المواقع المقدسة في القدس الغربية، أهمها مبنى على جبل صهيون، يضم ما يُظن أنّه قبر نبي الله داود، ويضم كذلك ما يسمى بقاعة العشاء الأخير، وهي القاعة التي يُقال: إن السيد المسيح، عليه السلام، قد تناول فيها آخر عشاء له.
نبذة تاريخية
يمتد تاريخ القدس القديم إلى أكثر من 4,000 سنة، ولقد غزاها البابليون عام 586 أو 587ق.م، وسيطروا عليها إلى أن سقطت مملكتهم على أيدي الفرس. وفي عام 63ق.م، سقطت المدينة في أيدي الرومان. قُوبل الرومان بثورات عديدة كان من أهمها الثورة التي اندلعت عام 66م، إذ تمكن اليهود من السيطرة على القدس حتى عام 70 م. بعد ذلك عاد الرومان، وأحرقوا معبد اليهود في المدينة. واستمر الصراع على المدينة، حتى أصبحت جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية عام 395م.
خلال القرن السابع الميلادي، تبادلت السيطرة على القدس ثلاث قوى مختلفة هي: الفرس، والبيزنطيون، والمسلمون. حين فتح المسلمون القدس سنة 15 هـ، 636م، اشترط سكانها أن يكون تسليم المدينة للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءها عمر وتسلم مفاتيحها من صفرونيوس بطريرك القدس. وشهد على العهد الذي أبرمه معهم من كبار الصحابة مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبدالرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم. ولقد شيّد المسلمون قبة الصخرة عام 72هـ، 691م، فوق المكان الذي عرج منه بالرسول ³ بصحبة جبريل في ليلة الإسراء والمعراج.
شهدت المدينة صراعات متعددة بين جيوش إسلامية متنافسة، استمرت على فترات متقطعة، خلال القرن العاشر والقرن الحادي عشر الميلاديين. وفي عام 493هـ، 1099م، غزاها الصليبيون، وسيطروا عليها. استعاد المسلمون القدس عام 583هـ، 1187م بعد هزيمة الصليبيين، على يد القائد صلاح الدين الأيوبي.
أصبحت القدس تحت حكم الأتراك عام 923هـ، 1517م، وكان معظم سكانها عندئذ من المسلمين، بينما كان عدد النصارى يفوق عدد اليهود في المدينة. لكن في ديسمبر 1917م، دخلت الجيوش البريطانية المدينة، وسيطرت عليها تمامًا بعد طرد الأتراك. وبعد شهر واحدٍ فقط من دخول البريطانيين القدس، قامت الحكومة البريطانية بإصدار وعد بلفور، الذي تعهدت فيه بتأييد إقامة وطن لليهود. ثم وُضعت القدس، وسائر أرجاء فلسطين تحت الوصاية، وكان ذلك عام 1920م. وفي عام 1922م، وافقت عصبة الأمم على تلك الوصاية، كما وافقت أيضًا على وعد بلفور. تبع ذلك زيادة مطّردة في هجرة اليهود إلى فلسطين خاصة خلال العشرينيات، والثلاثينيات من القرن العشرين. ولقد تزامن ذلك مع ازدياد قوة وفعالية الحركة الصهيونية العالمية.
ازداد الشعور المناهض للصهيونية بين عرب فلسطين الذين يمثلون سكان المنطقة الأصليين. وثار العرب مطالبين بإنشاء دولة فلسطينية عربية على أرض فلسطين. تصاعد العنف كثيرًا، مما اضطر بريطانيا عام 1947م، للتقدم بطلب إلى الأمم المتحدة، لاتخاذ ما تراه مناسبًا حيال الأوضاع الملتهبة في فلسطين. وفي نهاية ذلك العام، اتخذت الأمم المتحدة قرارًا تم بموجبه إنهاء الوصاية البريطانية على فلسطين،كما تمّ أيضًا اتخاذ قرارٍ بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، على أن تبقى مدينة القدس تحت سيطرة الأمم المتحدة.
رفضت الدول العربية قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، ودخلت جيوشها في حرب طاحنة ضد اليهود. لكن في نهاية عام 1948م، تمكنت القوات اليهودية من وقف زحف الجيوش العربية، والسيطرة على الأجزاء الغربية من فلسطين، بما فيها الجزء الغربي من مدينة القدس. أما الجزء الشرقي من المدينة، فقد بقي تحت سيطرة الأردنيين. بعد ذلك أُعلن قيام دولة إسرائيل، وأُعلنت القدس عاصمة لها، لكن معظم دول العالم لم تعترف بذلك الإعلان.
نشبت حروب أخرى بين العرب واليهود، كان أهمها حرب عام 1967م، ثم حرب عام 1973م. وانتهت تلك الحروب، بفقد الجزء الشرقي من مدينة القدس، وكل الأرض الفلسطينية التي كانت تمثل الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة. ودفعت هذه الأحداث بمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إنشاء لجنة القدس (1979م)، وإسناد رئاستها إلى جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية آنذاك وتخويله كافة الصلاحيات لتحقيق الهدف المتمثل في المحافظة على عروبة وإسلام المدينة المقدسة وعودتها إلى السيادة الإسلامية. وقد تولى الملك محمد السادس رئاسة اللجنة بعد وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999م. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، قامت إسرائيل بضم مدينة القدس رسميًا إلى فلسطين المحتلة، ولا يزال الصراع مستمرًا من أجل إعادة القدس والأرض العربية لأهلها الأصليين.