عقد معهد أبو لغد للدراسات الدولية المؤتمر الدولي التاسع يومي الجمعة والسبت بتاريخ 21 و22/11/2003 بعنوان: "التاريخ الإجتماعي الفلسطيني بين غابة الأرشيف وأشجار الحكايات" في مبنى معهد الحقوق في الجامعة، شارك فيه نخبة من المختصين والأكاديميين المحليين والدوليين ومن المهتمين بالتاريخ الشفوي والإجتماعي السياسي لفلسطين، وحضره عدد من إداريي الجامعة وموظفيها وطلبتها.
افتتح المؤتمر د.حنا ناصر رئيس الجامعة بكلمة حيا فيها معهد ابو لغد للدراسات الدولية لعقدهم المؤتمر الدولي التاسع حول التاريخ الإجتماعي الفلسطيني، وأشار الى ان التاريخ الفلسطيني مليء بالحكايات الجميلة والحزينة، وتحدث عن مظاهر الحكايات الحزينة المتمثلة بحكايات حاجز "سردا" الواقع على الطريق بين رام الله وبيرزيت، والذي احتوى بين جنباته العديد من القصص المؤلمة ليعيد صياغتها المؤرخون فيما بعد. وأشار ألى أن تاريخ جامعة بيرزيت هو جزء مهم من الأرشيف التاريخي الفلسطيني منذ نشأتها عام 1924 وحكايتها هي جزء من حكاية الشعب الفلسطيني، وأن تطورها لتصبح أول جامعة في فلسطين هو جزء من تاريخ النضال الفلسطيني وظروفه الصعبة. ونوه الى ان المهم هو الأرتكاز على التراث والحكايات من اجل بناء واقع جديد معاصر.
واشار الى ان القرارات غير الشرعية التي يتم تنفيذها بقرارات ديموقراطية هي ضد حقوق الإنسان في إشارة منه الى الديموقراطية التي تتغنى لها إسرائيل وتعمل بموجبها على اتخاذ قرارات منافية للشرعية والإنسانية، مثل بناء المستوطنات ووضع الحواجز وبناء السور العنصري وغير ذلك.
من جهة اخرى أشار د. مجدي المالكي مدير المعهد في كلمته الترحيبية الى ان هذا المؤتمر يأتي كواحد من سلسلة المؤتمرات التي بدأها المعهد منذ سنوات، مشيرا إلى أن هذه المؤتمرات تعكس هموم المجتمع الفلسطيني وأن هدف المعهد هو إغناء الجدل الدائر حول عدة قضايا مسلطا الضوء على المواضيع الأكاديمية التي تثير اهتمام الباحثين المحليين والدوليين. وان الهدف ايضا هو مساهمة هذا المؤتمر في إعادة التفكير في التاريخ الإجتماعي الفلسطيني وفي مصادر ومنهجيات التاريخ بشكل عام من خلال مقارنة التجارب والخبرات البحثية المختلفة. كما قدم شكره الى الوكالة السويسرية ااتنمية لدعمها هذا المؤتمر.
قدمت في هذا المؤتمر عدة بحوث وأوراق عمل تناولت قضايا التاريخ الإجتماعي الفلسطيني من مصادره المتعددة سواء كان تاريخا شفويا او نصوصا تاريخية، او أرشيفا. وحاول هذا المؤتمر عبر حوار أكاديمي الوصول الى رؤية لدراسة التاريخ من خلال خلق تفاعل بين المنهجية العلمية التقليدية وبين الفهم الصحيح القائم على الروايات الشفوية الصادقة القائمة على الحقائق التاريخية.
اشتملت جلسات المؤتمر وعددها 6 جلسات على مدار يومين عدة مواضيع، من أهمها: المنهجية والتقليد والمنظور في التاريخ وهذا هو عنوان الجلسة الأولى التي رئسها د. روجر هيكوك استاذ العلوم السياسية والتاريخ في الجامعة، وتحدث فيها توماس ريكس الباحث في التاريخ الشفوي من خلال ورقة بحث قدمها حول الزمن والذكريات والماضي المسترجع، وحول مناهج واستراتيجيات المؤرخ الشفوي، بينما قدمت د.رباب عبد الهادي الباحثة من جامعة نيويورك موضوعا يتعلق بنظرية المساواة بين المرأة والرجل تحت الإحتلال وحول النوع الإجتماعي والأمة وثقافات المقاومة. وحول ترجمة الروايات الشفوية الى روايات مكتوبة قدم كينث براون رئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط ورقة بحث حول هذا الموضوع، بينما قدم د. خليل عثامنة أستاذ التاريخ في جامعة بيرزيت موضوعا متخصصا بالرواية الشفوية ودورها ومكانتها في علم التاريخ عند العرب.
الجلسة الثانية بعنوان: "التاريخ الفلسطيني من الحكم العثماني حتى الإنتداب"، رئسها البرت أغازريان وشارك فيها كل من د. سليم تماري أستاذ علم الإجتماع، حيث تحدث حول السيرة الذاتية والهوية المدنية في فلسطين ما قبل عام 1948. بينما قدمت الباحثة د.مي صيقلي من جامعة "واين" في الولايات المتحدة ورقة بحث حول أهمية التسجيل الشفوي في إعادة بناء التراث التاريخي الفلسطيني، وتحدث د.عماد بشتاوي من جامعة الخليل حول تجربة الإنسان الفلسطيني في اللجان القومية الفلسطينية ما بين عام 1936 -1947.
أما الجلسة الثالثة التي ترأسها د. محسن يوسف رئيس دائرة التاريخ في الجامعة وهي بعنوان:" من ثورة 1936 حتى النكبة، فقد اشتملت على مواضيع تتحدث عن بعض المواقع الهامة في فلسطين من الزوايا الإجتماعية والإقتصادية مثل منطقة باب الخليل وماميلا، تحدث عنها المؤرخ والباحث من القدس جورج هنتليان وتطرقت الجلسة ايضا الى التاريخ الشفوي للناجين من ترحيلات عام 1948 تحدثت عنها المؤرخة والباحثة المعروفة روزماري صايغ. وتضمنت الجلسة ايضا عرضا لإشكالية العمل في التاريخ الشفوي من خلال الحديث عن مركز شمل للاجئين قدّمه كل من ساري حنفي رئيس مركز "شمل" للاجئين، ولينا الجيوسي من جامعة زايد في الإمارات.. وقد تبع الجلسات الثلاث نقاش وتقديم مداخلات قيّمة ساعدت على إغناء الموضوع قيد البحث.
في اليومي الثاني الذي اشتمل على ثلاث جلسات، ركّز المؤتمر على الحديث عن الروايات والقصص والحكايات والأشعار في التاريخ كعنوان للجلسة الرابعة التي ترأسها د. محمود العطشان، وتحدث عن ذلك كل من: د.سونيا نمر المتخصصة في التاريخ الشفوي لثورة عام 1936 حول الأدب الشعبي في قصص الأطفال، وضرورة تدوين القصص الفولكلورية بتفاصيلها مع إضافة بعض التغييرات عليها. وتناولت الجلسة ايضا ورقة بحث قدمتها الباحثة باربرا هارلو حول الحديث عن الوطن والتراث من خلال كتابات غسان كنفاني الكاتب الفلسطيني وروث فيرست المؤرخة من جنوب افريقيا. أما د.شريف كناعنة أستاذ علم الإجتماع في الجامعة فتحدث عن وظائف وتأثير "كرامات الشهداء" على المجتمع الفلسطيني. وركز على معاني المصطلحات بدقة من حيث الجهاد والكرامة والشهادة، وتداولهما في سياق التاريخ الشعبي الفلسطيني. وقدم سميح شبييب الصحفي الفلسطيني تحليلا لكتابات الشاعر الفلسطيني من حيفا "نوح ابراهيم" .
وتوثيقا لتاريخ الإنتفاضة وتحليلها في الجلسة الخامسة التي ترأستها د. سهى هندية رئيسة دائرة علم الإجتماع، قدم كل من ليفيا ويك، جون كولينز، ود.مجدي المالكي، ثلاث أوراق بحثية حول: الأمومة كمقاومة وتقديم روايات عن الولادة تحت الحصار وحظر التجول، وعن جيل الإنتفاضة وذكرياته السرية، وآليات الصمود المجتمعي خلال انتفاضة الأقصى.
أما موضوع المفهوم الطبقي والمقارنة في التأثير على مجريات التاريخ فقد كان موضوع الجلسة السادسة والأخيرة التي ترأسها د. عبد الكريم البرغوثي أستاذ الدراسات الثقافية، تحدثت حوله د.ليزا تراكي أستاذة علم الإجتماع في الجامعة وقدمت ورقة بحث حول الطبقة الوسطى في التاريخ كفاعل تاريخي، وقدمت سوسي اندسيان ورقة عمل حول العبادة في فترات الأزمة في فلسطين والجزائر، وعن دور الوثائق في التاريخ مقابل الذكريات قدم إدوارد كونت موضوعا يتعلق بالإستعمار الزراعي النازي لإقليم زاموشيتش( جنوب شرق بولندا).
رافق الجلسات نقاش عميق وغني أكسب المؤتمر الكثير من العمق في التحليل، وسيقوم معهد ابو لغد للدراسات الدولية بتوثيق مداخلات وأوراق المؤتمر ضمن كتيب خاص بذلك .